القاضي سيدي محمد عبد الله الجراري

من العلماء الصالحين الذين اخذوا الذكر والإجازة والسلوك في الطريقة الشيخية عن الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ رحمه الله (منقول من صفحة الاستاذ سيدي عبد الرحمان الجوزي)

- علاقة أولاد سيدي الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد السماحي دفين الابيض سيدي الشيخ بأولاد قاضي قورارة الشيخ سيدي أمحمد عبد الله بن عبد الكريم بن أحمد الجوراري دفين أولاد سعيد..


1- المشيخة:
تتلمذ القاضي الشيخ أمحمد عبد الله بن عبد الكريم بن أحمد الجوراري بفجيج على يد الولي الصالح الشهير سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي روحيّاً، وأخذ عنه الطريقة الشاذلية أو الطريقة الشيخية المتصلة السند بالحبيب الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولقد عدَّ الشيخ السماحي سلسلة أسماء شيوخها في الياقوتة بدءاً بقوله:

فخذْهــــــمْ بنظــــــمٍ واحـــــداً بعـــــدَ واحـــــــــدٍ *** عليهــــــمْ مــــــن الإلــــــــــهِ أزكـــــــى تحيَّـــــــــــةِ.
فأولهمْ في الذكرِ شمسُ وجودنَـــــــــــــــــا *** وقطبُ نُهى علومنــــــا اللَّدُنيــــــــــــــــــــــــــةِ.
إليه انتهتْ رئاسةُ القومِ فارتقَــــــى *** على صهواتِ المجدِ من غير مِرْيــــــةِ.
أبو عابــــــــــدِ الإلهِ يُسْمَى محمــــــــداً *** إلى عابدِ الرحمانِ يُعْزَى في نسبـــةِ.
عليـــــه ســـــــلامُ اللهِ مـــــا ذرّ شَـــــارِقٌ *** ومـــــــا حـــــنّ طيرٌ باللُّغـــــــاتِ الحنِينَـــــــةِ.
فعنـه أخذنـــــا أعنـي عــن قَمَــــرِ الدُّجَــى *** ورثنـــا طريــــــقَ القــومِ دونَ استـــــرابَـــــــــةِ.

يعد القاضي من أخصِّ كبار تلامذة سيدي الشيخ، بل هو أمين سرِّه الخاص. وعن القاضي المذكور يقول المرحوم محمد حجي في كتابه الحركة الفكرية:
[فقيه، أديب، صوفي، أسند إليه أحمد المنصور مهمَّة القضاء في تيكورارين (تيڤورارين) وما وراءها من المناطق الصحراوية، فكان قاضي الجماعة هناك، ولم تصرفه مهامه في الحكم عن التدريس وإرشاد المريدين على طريق الشيخ السماحي].

أذن سيدي الشيخ لمريده القاضي في تولية قضاء إقليم تيجورارين بعد تعيينه من قبل فقهاء الإقليم، وأراد القاضي مراراً الاستقالة من هذا المنصب المرهق؛ نظراً لأوضاع الإقليم السياسية الخطيرة، وميوله إلى الزهد والانعزال. يقول عن هذا الموضوع بالذات في إحدى رسائله إلى الفقيه ابن أبي محلِّي السجلماسي ما نصُّه:

[وها أنا إن -شاء الله- في هذا الربيع عازم على زيارة سيِّدي الشيخ، ثمَّ بعده على زيارة المصطفى صلَّى عليه وسلَّم، ومن بعدها إن شاء الله ملازمة الخلوة حتى ألقاه، وهذا مُرادي].
لكن شيخه السماحي كان يشدُّ إليه الرحال من الأبيض إلى تيجورارين؛ بغية ارجاعه إلى منصبه قائلاً له:

[أيُّها القاضي إِنَّ مصالح المسلمين بيدك، فلا تضيعها باعتزالك].
ويعود قاضي تيجورارين إلى القضاء نزولاً عند رغبة شيخه السماحي، مُدركاً تمام الإدراك أنَّ هذا الأمر أكبر مهمة أُلقيتْ على عاتقه، ولا رغبة له فيه، حيث أعرب عن ذلك لابن أبي محلِّي بقوله:
لعمرك ما القضاءَ إلاّ بليةٌ= وهمٌّ وغوصٌ في بحارِ القطيعةِ.
شغفتُ بحبِّ الشيخ عبد لقادرٍ = فأذهلني عن القضا في الخصومةِ.

يشير إلـيَّ بالقضا غير مــــــــــــرّة=ويأمرني بالفصلِ بين الخليقــــةِ.
خليلـــــــيَّ هل بالربـــع نفسٌ كئيبـــــةٌ= تساعدنـــي للحـــزنِ يومــي وليلتــــي.

ولقد تعلق التلميذ بالشيخ، والشيخ بالتلميذ، تعلقاً عجيباً؛ دفع الشيخ السماحي إلى ملازمة ديار القاضي بتيجورارين، والخلوة في مسجدها المسمَّى الآن باسم: "مسجد سيِّدي الشيخ" في بلاد القاضي، وحدث أن وقعت للشيخ فيه كرامةٌ عجيبة، كانت سبباً في تعرُّف القاضي المريد على الشيخ السماحي، وذلك أنَّ الشيخ السماحي قام بزيارةٍ إلى تيجورارين في مرحلة شبابه ونزل في ضيافة القاضي أبي المكارم الشيخ عبد الكريم بن أحمد الجوراري بزاويته،

والتقى هناك بجملة من الأعيان، فيهم أحد وزاء الدولة السعدية، وكان ذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث قدَّم الوزيرُ الشيخَ السماحي ليُصلي بهم إماماً، فقام الشيخ السماحي فصلَّى بالناس ركعتَيْنِ اثنتَيْنِ ختم فيهما القرآن بأكمله قائماً بهم حتى طلع الفجر، ولم يشعر المأمومون بتعبٍ أو ارهاق، وهذا الأمر كان سبباً في تأثر القاضي بالشيخ السماحي بل دافعاً إلى صحبته واتخاذه شيخاً بعد عقد البيعة معه. يقول العلامة الشريف أبو العباس أحمد بن أبي بكر السكوني الفجيجي عن هذه الكرامة في كتاب المناقب:

[ومن مناقبه رضي الله عنه، أنَّه سافر في حال صغره إلى الصحراء وهي: تجُرارين (تيڤورارين)، ومعه بعض القوافل، فأدرك بعض وزراء المغرب، ووافواْ هنالك ليلة القدر، ثم إنَّ ذلك الوزير طلب مَن يُصلي بهم تلك الليلة، فأشير له إلى الشيخ، فطلب منه الوزير الصلاة بهم، فأجابه بالرضى، فتقدم وصلَّى بهم تلك الليلة، وجعل ختمة القرآن في تسليمة واحدة، بسهولة وعدم الملل والتطويل، فلما فرغ من الصلاة شكر ذلك الوزير فعله، وجازاه خيراً على صنيعه، وقال له لولا ما حفظناه لقلنا لك لم تتمه].

وإلى هذه الكرامة الشهيرة أشار أيضاً صاحب كتاب سلوة الأحزان في مناقب سيِّدي عبد القادر بن محمد بن أبي سماحة البكري فقال:

[قد أتقن كتاب الله تعالى، حتى قرأه في تراويح رمضان وقد صلَّى بالناس في ركعتَيْنِ لا غير، وهذا من كراماته القاطعة، ولم يشعر المصلون بتعبٍ ولا سأمٍ من طول القيام، وقع ذلك ببلدة أولاد سعيد بڤورارة، نقله السكوني].

واصطلحت الروايات الشفوية على أنَّ أُسلوب التعامل المادي بين الرجلَيْنِ كان عن طريق إرسال القافلة من الأبيض إلى بلاد القاضي محمَّلة بالسمن، والعسل، والإِقِط، والصوف، وقطعان الأغنام، وغير ذلك من منتوجات منطقة الظهراء، ثم تعود القافلة من بلاد القاضي إلى الأبيض محمَّلة بالتمر، والملح، والأفرشة، والزرابي، والأوني الطينية والخشبية وغير ذلك من منتوجات تيڤورارين،

وهذا كلُّه دون سائق يسوق القافلة، وعلاوةً على هذا نجد أنّ الشيخ تفانى هو أيضاً في محبَّة التلميذ، وشرب من كأس حُبِّه حتى الثمالة، ترجمت ذلك وصيّته لأبنائه إثر وفاته، حيث وصَّى سيِّدي الشيخ ألاَّ يُصلي عليه غير صهره القاضي الجوراري، والعجيب أن تحضر وفاة الشيخ والقاضي يومها في بلاده بڤورارة، لكن في حقِّ هؤلاء تطوى المسافات،

وتلغى العلل والعادات، لتقوم مقامَها الخوارقُ والكرامات، فيصلِّي التلميذ على شيخه كما وصَّى، ذكره السكوني في كتاب المناقب وغيره كالأستاذ طواهرية، والدكتور أحمد حاكمي بن عثمان، وسي محمد بلمعمر، والبوشيخي وغيرهم.

وخلاصة القول تقتضي الإقرار بأنَّه ما وصل مَن وصل إلاَّ بصحبة مَن وصل، خصوصاً رجال كأمثال الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي الذي أعرب عن مقامه بلسانه من باب التحدث بالنعمة لا تزكيةً للنفس، في قصيدته المعروفة بالياقوتة، حيث قال رحمه الله:

فكـــــــن مقتـــــــدٍ بنـــــــا وثِــــــــقْ بكـلامنــــــــا *** وجـــــــدَّ بسيْـرنــــــا تـفــــــــزْ بـالـمـــــــــــــــــودَّةِ.
فإِنّنـي عبـــــــدُ القــــــادرِ بــــــن محـمــــــــد *** سليــــــــلُ أبــــي الرَّبيــــــــع نـجـــــــلُ السماحــــــــةِ.
ولا فخــــــــرَ غيــــــــر أنِّــــي عبـــــــدٌ لِلْقـــــــادرِ *** وأحمـــــــد تــــــاج الرســــــل أقـــــــوى وسيلـــــــــةِ.
فبـالإتـبــــــــاع نِلْنَـــــــــا مرتبــــــــةَ العُـلَــــــــى *** فبـالله مـــــــا حدنـــــــا عــــــــن شَــــــــــــــــــــــــــــرْعٍ وسُنَّــــــــــــــةِ.

ومنــــــذ عقلنــــــا ســــــــدّد اللهُ سعـيـنـــــــا *** ومـا زلنـــــــا مقتفـيـــــــن نهـــــــــجَ الشريعـــــــــةِ.
ولا تَسْمَعَـــــــــنَّ قــــــــولَ عــــــــادٍ مُعـانـــــــــدٍ *** حســــــــودٍ لفضـــــــلِ الله بــــادِي الـتـعنُّــــــــــتِ.
ومَــــــن يَنْسِبَــــنْ إلينـــــــــا غَيْــــــــرَ مقـولِنـــــــــــــا *** تصــــــبْــــــهُ بـــــحَـــــــــوْلِ اللهِ أكْــــــبَــــــــــرُ عِـلَّـــــــةِ.
ومَـــــــوْتٌ علــــــى خِــــــلاَفِ دِيــــــــــنِ محـــــمَّـــــــــــدٍ *** ويَبْتَلِـــــــــــهِ الـمَــــــوْلَـــــى بـفــــــقـــــــرٍ وقـلَّــــــــــــــــــةِ.

وبطــــــشٍ وشــــــــــــــدَّةِ انْـتِـقَــــــــامٍ وذِلَّـــــــــــــــةٍ *** ويـردَعُـــــــــــــهُ رَدْعــــــــاً سَـرِيــــــــــعَ الإِجَـابَـــــــــــــةِ.
بِلَعْــــــــــــــنِ الإِلَـــــــــــــــهِ بَـــــــاءَ مَــــــــنْ رَامَ نَسْبَنَــــــــــا *** عِـنَــــــــاداً إلـــــى فـعـــــــــلٍ نكيــــــــرٍ وبِدْعَــــــــةِ.
كَـــــذَاكَ الـــــــذِي يَرْمِــــــي كَرِيـــــــــمَ جَنَابِنَـــــــــا *** ويَنْسِـــــــــبُ قَـدْرَنَــــــــا لأَقْـبَـــــــــحِ سِـيــــــــرَةِ.
فَكَيْـــــفَ وَبِـاسْـــــمِ الحــــــــــــــــقِّ نهـــــــــجُ طريقِنَــــــــا *** يَعُــــــــودُ إلــــى ضَـــــــلاَلِ أَهْـــــــلِ الــــــدَّنَــــــــاءَةِ.

والجليُّ أنّ صحبة الرجلَيْنِ من الطراز الرفيع الذي يحتاج إلى دراسة أكاديمية معمّقة، التي تتطلب منا الوقت والجهد، وتحتاج أيضاً إلى إفراد تصنيف خاص بها؛ لما تكتسيه من أهمية بالغة حيث دامت أزيد من نصف قرن من الزمن؛ لذا نحبّذ أنَّ نتركها من اختصاصات البحوث العلمية المتوسطة mèmoire) ( أو من الأُطروحات الجامعيةthèse) (البكر التي لم تطرق بعد.

ومما كتب قاضي قورارة إلى الفقيه ابن أبي محلي السجلماسي بخصوص الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد السماحي (سيدي الشيخ) هي الرسالة الرائعة والتي نصها:

[بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا ومولانا محمد وآله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

- من العبد المرائي، الشَّاكي إلى الله من شرور نفسه، الشاكر له على ما أولاه من نعمه وآلائه، المفتقر إليه في جميع أحواله: محمد عبد الله بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد المسْعُودي الجُراري (الڤوراري) الوطاسي، أحمد الله عاقبته وأسْعد بلقاه، وأكرمه -بمَنِّه- برضاه.

- إلى الأخ الأحبِّ في الدِّين، الآخذ من قلبي حظاً وافراً، جعله الله لوجْهه، السيِّد الأسد، العلم الصَّدر الأوحد: سيِّدي أحمد بن عبد الله بن القاضي.
أُعلمه -بعد السَّلام عليْه بأكمل السَّلام والسؤال عنه- أنِّي أحبُّه، والحمد الله على حُبِّه، حمداً أستزيد به حُبّاً له ولأوليائه، وأَنَّ كتابه القائم لديَّ كمقام ذاته ورد عليَّ في أوِّل الشِّتاء.

- وأوله: بعد الحمدلة والتصلية ما نصُّهُ:

{جرابٌ مـلاه الحلــم ليـس بسـائـــــبِ}.

- وآخـره:

{تسـاؤل قـوم عـن حقيقـة غائــــــــبِ}.

فزادني شوقاً إلى رؤيتكم ومحبّةً في جانبكم شكراً لله، ثم إنِّي لَمَّا تأمَّلْتُهُ، فهمتُ بفهمي الركيك كأنَّكم تحيلني على سيِّدي ووليي ومُفيدي سيِّدي الشيخ عبد القادر بن سيِّدي محمد السَّماحي، وأَنَّكم تحضُّوني عليه، جزاكم الله سيِّدي عنِّي خيراً جزيلاً، ووافاني كتابُكم عند القائد: "محمد بن فارس" فتذكرتُ في خطابكم وإشاراتكم ما قد مضى لنا من الأوقات الفاضلة مع ذلك الشيخ، فحرَّك الله مني السَّاكن وأنطقه -وهو الذي ينطق كل شيء- بما قد كنتُ قبلُ قائله بالله فيه، رزقني الله رضاه، ونفعني بما مَنَّ به عليَّ مِن حُبِّي إيَّاه.
- نصُّـهُ:

ســـــــأتْـــــــــــــرُك مـــــا ســــــــــــــواه شــــــــغـــــــــــلاً بــــــــذكـــــــره *** وأزهــــــــــد في الـــــقـــــضـــــــا وإنْ كــــــانـــــــت حــــــــــرفــــــــــتِـــــــــي.
يـــــلــــــــــومــــــونــــنــــــي في الـــــــزهـــــــــــــــــــد عـــــــــنـــــــــهــــــــا لأنَّـــــــهــــــــــا *** طـــــــــــــــريـــــقــــــة أســـــــــــلافــــــي وأرْفــــــــــــع رُتـــــــبـــــــــــــةِ.
دعــــــــــاهـــــــــم لـــــذاك مــــــا تــــــروم نـــــــفــــــــوسُـــــــهـــــــــم *** مـــــــن الــــــــــغـــــــــرض الــــــــــدنّـــــــــــــــيِّ حُــــــــبّــــــــــاً لــــــــرفـــــــعَـــــــــةِ.

يـــــروم هـــــــواي نـــــحــــــــــو مــــــا يـــــبـــــــتــــــــــغـــــــــــــونـــــــــــه *** فـــــتـــــــعــــــــســــــــــــاً لــــه فــــــالــــــــزُّهــــــــــد أبــــــلـــــــــغُ حُـــــــجَّــــــــــــةِ.
أمــن بــعــــد إشـــــرافــي عـــلــــى الـــــوصْــل أنـــــثــــنـــــي *** إلـــى الـــفـــصْـــــل راجـــــعــــــاً وفي الـــوصــــل بُــغْــــيــــــتـــــِي.
لـــــــعــــــمـــــــــــرُك مــــــا الــــــــقـــــــــضـــــــــــاءُ إلاَّ بَـــــــــلِـــــــــــــيَّـــــــــــــةٌ *** وهــــــمٌّ وغـــــــــوصٌ في بــــــحــــــــار الــــــــــــــــقَـــــطــــــــــيــــــــعــــــــــةِ.

شـــغــــفـــتُ بـــحُــــــبِّ الـــشــــيـــخ عـــبــــداً لــــقــــــــادرٍ *** فـــــأذهــــــلـــــنـــــــي عــــن الــــــقــــضــــــا في الـــخُــــــصـــــــومـــــةِ.
يُـــشــــيــــر إلــيَّ بــالــــــقـــــضـــــــا غـــــيــــــــر مـــــــــرّةٍ *** ويـــــأمُـــــرنـــــــي بـــالـــــــــــفـــــــــــصــــــــــل بــــــيــــــن الـــــــــــخــــــــلـــــــيــــــــــقـــــــــــــةِ.
خــــلـــــيـــــــلــــــيّ هـــل بـــالـــــرّبـــــع نـــــفــــــسٌ كـــــــئــــــــيــــــــبــــــةٌ *** تـــســـــاعـــدنـــــــي لــــلـــــــحــــــــزن يـــــومـــــي ولــــــيـــــــــلـــــــــــتِـــــــــــــي.

خُـــذي الـــنــــصـــح نـــفــــســــــي ذكــــرَ ربّــــــــكِ فــالــــــزمــــي *** عـــلــى مُــــقـــــتــــــضــــــى مِـــنـــــهـــــاج شـــرْعٍ وسُـــــــنَّــــــةِ.
ذلـــــــولاً فــــكـــونـي لـــــلإلــــــه مُـــــــســــــلِّـــــــمــــــاً *** لِـــــمَـــــــــا قـــــد قــــــــضـــــــى في مُــــــــلــــــــــكـــــــــــــه مــــــن قــــــــضـــــــــيَّـــــــــةِ.
بــعــــــبـــــدِ الـــقــــديـــــــر شـــــــيـــخـــــي أرغــــــبُ خــــــالـــــقــــــــي *** في نــــيــــــــلِ مــــــقـــــــاصـــــــــــــدٍ وخـــــتــــــــــمٍ بـــــــجـــــــــــــنَّــــــــــــــةِ.

يــــــــــمــــــــــيــــــــــــنـــــــي لـــــــــــقــــــــــــد ســـــــــــألـــــــتــــــــــه بــــــمـــــــــــحِـــــــــــبِّـــــــــــــــه *** وذاكِـــــــــــــــــره في كــــــــــل حـــــــالٍ وهـــــــــــيْـــــــــــئــــــــــةِ.
دوامُ هــــــــــــــــــواه في الــــــــــــفـــــــــــــــؤاد أذابــــــــــنـــــــــــي *** حـــــــيـــــــــــاتي بـــــــــوجـــــــــــــــــده وفي الــــــــفــــــــــــقـــــــــدِ مــــــــــوْتـــــــــــتِــــــــــــــي.
يَـــــــحِــــــــــــق لــــــــمـــــثـــــــــــلــــــــــــي أن يـــــــــــنــــــــوح ويـــــــــــبْـــــــكـــــــــــي عـــــــن *** فــــــراق مـــــنـــــــازل بــــهـــــا كــل مُــــنْـــيـــــتِـــــي.

ويجمع لك سيِّدي من أوائل حروفها: "سيِّدي الشيخ خذ بيدي"، ثم في ذلك تذكرتُ واشتقتُ إلى رؤيته التي هي عندي أعزُّ مما سوى الله ورسوله، فأنطقني الله والحمد لله على كلِّ نعمه، شاكراً له تعالى على ما به قد مَـنَّ وهــدى وتحرَّك القلم بكتْبه بالله، فجعل يكتبُ ما نصُّهُ:

طــــريــقـي إلــى الــــرحـمـان: "حــــاوي الـــمـذاهــــبِ" *** وحـــائــــز قــــصْـب الـــسَّـــــبْــق، عـــالِـــــي الـمــــراتـــــبِ.
تـــــســـــــمَّـــــى بــــ: عــــبـد الــــقـــــادر بــــن مــــحــــمـــــــــــد *** لـــــــديـــــــــه يـــــــؤم الـــمــــــــــرءُ كـــــلَّ الـــــمــــــــــوَاهــــــــبِ.
فــــيـــــارب عـــــجـــــل لــــــي بــــــرؤيــــــــتِــــــهِ الــــــتــــــي *** أنـــــــال بــــــهــــــا الـــــــرضــــــــا وكـــــــــــــــلَّ الــــــــمـــــــــطـــــــــالــــــــــــبِ.

وكـــــــن لــــي في كـــــلَّ مـــــــا أروم مـــــــؤيِّــــــــداً *** مـــــعــــــيـــــنـــــــاً عـــــلـــــــى الــــــتــــــقــــــــوى وفــــــعــــــــل الـــــرغــــــائــــــبِ.
فــــــعــــبـــــدك مُــــشــــــتـــــــاق لــــــرؤيـــــــة شـــــيــــــــخـــــــه *** فــــــعـــــــجــــــل لــــــــــه بـــــهــــــا أيــــــــا خــــــيـــــــــرَ وَاهِـــــــــبِ.
ونُـــــبْ عـــنـــــه في الأمـــــــوالِ والأهــــــــلِ جـــــمــــــلــــــة *** فـــــإِنَّــــــك يــــــا مـــــــولاي لـــــــي خـــــيــــــــر نــــــــــائـــــــــبِ.

وصُـــــنْــــــهُ وكــــــل مَـــــــن لــــــه فــــــيــــــه نِــــســـــــبــــــة *** فـــــإنَّــــــك خـــــيـــــــــرٌ حـــــــافـــــــظٌ مــــــــن مـــــــصــــــائــــــــبِ.
رضـــــيـــــتُ رضـــــيـــــــتُ بـــــالإلــــــــه تـــــــوكَّـــــــــلا *** عـــــلــــــيــــه في كــــــــــل حــــــــاضــــــــر لــــــــــي وغــــــــــائـــــــبِ.
لـــــه الـــــحــــــمــــدُ بــــدْءاً واخـــــتـــــــتـــــــامــــــــاً مــــــــؤبـَّــــداً *** وشـــكـــراً ومَــــن يـــــشــــكــــــرْه لـــــيــــــس بــــخـــــــائــــــــبِ.

وثُــــــمَّ عـــــلـــــى الـــــنـــــبـــــي خـــــيـــــرُ تـــــحــــــــيّــــــــةٍ *** مـــــحــــــمـــــــــــدٍ الــــــمــــــبــــعــــــوثِ مـــــن ءالِ غـــــــــالــــــبِ.
جـــواب جـــــرابـي قــــد جـــــرى بـيَ مــــــا جــــــــرى *** جـــــــرابٌ مــــــــلاه الـــــشـــــــيـــــخُ لــــــيـــــس بــــــســـــائـــــبِ.

ففتح الله -سيِّدي بقرب ذلك- بزيارته، تقبلها الله منَّا وجعلها ذخراً صالحاً مُضاعفاً بفضله، وأرجوه في نيل مُرادي، ورغبتي في أثناء القصيدة أن يكون قد مَنَّ به كما مَنَّ بزيارته فإنَّه تعالى كريم، ثم بعد ذلك وقبل الزيارة أنطقني الله بما نصُّهُ:

جِــرابٌ مــلاهُ الشــــيخُ ليس بخارجِ *** و عــينٌ رأتْ جــمالَـهُ غيـرَ مــارجِ.
جـــرى ما جـرى مع السَّـماحــي لأنَّـهُ *** سمـاحٌ فهل لنا لـه مــن معــــارجِ.
جـــراعُ مـــرارةٍ لــديه حـــلاوةٌ *** وليس عـلاجُ المـرْءِ عـــنه بـخـارجِ.
جـرى خبـرٌ عن حـرفنا الألــفِ الــذي *** إليه سمتْ عـقولُـنـا بالـتــــهـارِجِ.

ونعوذ بالله أن يكون حظنا في هذا ما نتعاطاه من تزويق الألفاظ؛ تشبهاً بالأيمة الحفَّاظ، وأسأله أن يجعله لنا من باب التحدث بالنعم، وما كُنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله...قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِـمَّا ءَاتَاهُ اللهُ﴾].

2) - المصاهرة:

أثبتت الدراسات القائمة حول تاريخ تيجورارين وأعلامها أنَّ العلامة سيِّدي الشيخ تزوج بالسيِّدة خديجة بنت القاضي المعروفة بالأبيض بـ: "لالة كيجة"، وتزوج قاضي تيجورارين إحدى بنات الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي، يقول الفقيه ابن أبي محلِّي السجلماسي في المنجنيق أثناء ثحدثه عن قاضي تيجورارين وشيخه السماحي والمصاهرة المتبادلة بين الطرفَيْنِ مانصه:

[وهو صهر شيخه، بل كلُّ واحدٍ منهما تحته بنتُ الآخر].
ويقول صاحب كتاب: "تذكرة الخلان، في مناقب العلامة سيِّدي سليمان" بخصوص قاضي تيجورارين أثناء تحدثه عن تلامذة الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي:

[ومِمَن أخذ عنه وانتفع به، القاضي الأجل الفقيه الأديب السيِّد مَحمد عبد الله الجوزي دفين قرية أولاد سعيد، توفى سنة: 1035هـ/(1625م)، وهو صهره وجدُّ ولدَيْهِ لأُمِّهما: "السيِّد الحاج عبد الحكم، والسيِّد مَحمد عبد الله" وتولى الصلاة عليه بوصيّة منه، وذكر السكوني بعض أخباره في مناقب الشيخ، وله فيه قصائد].

ويقول الدكتور رشيد بليل في كتابه عن تاريخ ڤورارة:
[سيِّدي عبد القادر بن محمد "سيِّدي الشيخ" سكن أولاد سعيد بعدما تزوج بنت القاضي الشخصية المشهورة في أولاد سعيد].
وإليها أشار محقق كتاب تقوية إيمان المحبين بقوله:
[السيِّدة خديجة زوجة الشيخ، وهي أُمُّ بعض أولاده].

ولقد بدى تأثر "سيِّدي الشيخ" بعائلة أنسابه العلمية "المسعوديين" واضحاً بصفة حميمية؛ إذْ من المعلوم تاريخياً أنّ هذه العائلة كانت في وقته ذاك مُحاطة بسياج تربوي أصيل، مُتكوّن من مجموعة هائلة من العلماء والقضاة والفقهاء تجاوزواْ في عددهم الأربعين عالماً عاشواْ في زمن واحد في بلاد القاضي بأولاد سعيد، على رأسهم القاضي أمحمد عبد الله بن عبد الكريم، وأخوه الشيخ عبد الحكم، وأبنائهما، وابن عمهما الشيخ عبد الصمد بن عبد الرحيم وأبنائه كذلك، والشيخ عبد الحمبد وأبنائه أيضاً، وفي هؤلاء يقول الدكتور رشيد بليل:

[وقبيلة "آتْ القاضي" (أولاد القاضي) تعتبر قبيلة العلماء].
وسمَّى سيِّدي الشيخ أولاده من السيِّدة خديجة بنت القاضي بأسماء رموز عائلة أولاد القاضي: "القاضي أمحمد عبد الله، والشيخ عبد الحكم" تأثراً بهم.
وفي حق أولاده من السيِّدة خديجة، قال صاحب سلوة الأحزان في باب ذكر أولاد سيِّدي الشيخ ما نصُّه:

(عبـــد الحكم وعبـــــد الله *** أمُّهمــــــا خديجـــــة التناهــــــي).
- وفي آخر أبنائه منها يقول: (... *** وإبراهيم عدُّهم قد انتهى).
وشرحاً لهذه الأبيات يقول صاحبها في سلوة الأحزان ما يلى:

[ومن ولد صاحب الترجمة، الولي الصالح سيِّدي الحاج عبد الحكم والدته السيِّدة خديجة بنت القاضي الجوراري، له كرامات، ضريحه بالأبيض بمقبرة أخيه سيِّدي الحاج بحوص، له عقب، من ولده العلامة الرباني والقطب الصمداني ذو الأنوار والأسرار، أبو المواهب، دفين مصر: سيِّدي بحوص الحاج صاحب كتاب: "مفتاح الخيرات". ومن ولد صاحب الترجمة الولي الصالح: سيِّدي الحاج أمحمد عبد الله والدته السيِّدة خديجة المذكورة من قبل، ضريحه بالأبيض بتربة أخيه سيِّدي الحاج بحوص، وعليه قبَّة كأخويه...ومن ولد صاحب الترجمة الولي الصالح:

سيِّدي ابراهيم، والدته السيِّدة خديجة المذكورة، قيل قبره بأوڤروت بتوات على قول، وله عقب].

وتجدر بنا الإشارة إلى القول بأنّ سيِّدي ابراهيم المذكور ماتت أمُّه السيِّدة خديجة بنت القاضي وهيَّ به نفساء، وتكفَّل والده بشؤون ارضاعه، وقد حصل بخصوص هذا الأمر كرامات كثيرة يطول التعرض لها في هذا المقام. يقول الأستاذ الشيخ طواهرية في كتابه "معجم الأعلام البكريين والصديقيين" أثناء تحدثه عن أبناء الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد البكري الصديقي السماحي مانصُّه:

[السيِّد الحاج أبراهيم بن الشيخ، دفين قصر تالة بأوڤروت، ورد ذكره في مناقب والده، توفتْ أُمُّه وهو في حالة الرضاع فاحتاج والده إلى مرضعة والقصة مبسوطه في تقوية إيمان المحبين]. تربى سيدي ابراهيم بن سيدي الشيخ في كنف جده قاضي قورارة وأخذ على يده العلم وورث عنه خطة القضاء الشرعي، وعندما التمس فيه النجابة والنباهة وقوة الذكاء والفطانة والادراك؛ ولاه قضاء أوقروت وما والاها من تلك الجهات كدلدول والمطارفة...إلخ فكان دهية متفنن في فن القضاء حمدت سيرته وتعاظمت أخباره.

وهاهو جده قاضي قورارة يكتب إلى والده سيدي الشيخ واصفاً له حاله بقوله:
[الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد وآله وصحبه.

سيّدي، وولي، ومولاي، وذخرتي، وسندي، وملجأي، وملاذي: سيِّدي الشيخ عبد القادر بن سيِّدي محمد السَّماحي نفعني الله به دنيا وأُخرى، ظاهراً وباطناً، سِرّاً وجهراً، ورزقني رضاه، ولا أعدمني -بمنه- مُحياه، سلامٌ عليكم -سيِّدي- برٌّ عميم، عاطرٌ نسيم، يغشاكم بالرحمات والبركات ختيم، وعلى سادتي الأبرار أنجاله الكرام: أشبالِهِ، كان الله لهم بما كان لأصلهم الأصيل، بالجملة والتفصيل.

وإلى هذا فمحبُّكم، العاكف على ودِّكم، المتوسل إلى الله بكم؛ لنيل رضاه مع رضاكم، المستغفر من هفواته في الأرفع جانبكم: محمد عبد الله لم يزل ولا يزال على حبُّكم، زادني الله فيه، وبه، ومنه، ما تقرُّ به العين، ويطهرنا به من كل عيب ومين، ويلمُّ الشمل بجمع البين، بحرمة صاحب الحرمَيْن، وسيّد الثقلَيْن، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ما تعاقب الأزمان بتعاقب الملوَيْن، ولا زائد -والحمد لله- إلاَّ الخير ببركتكمْ، أدامها الله علينا، وفينا، حيثما كنَّا.

وولدكم الفتى المترعرع نعم الولد -وكيف لا يطيب الفرع وقد طاب الأصل- ما قصَّر ولا فرَّط، وما اشتغل إلاَّ بحاجته ممتثلاً للأمْر، واقفاً على الحدِّ، ثَمَّر الله شبابه، ونوَّر بنور معرفته لُبابه، وعمَّر بالتقوى و(كذا) ثيابه، فادع سيِّدي بالله لأولادي عسَاهم بالسَّلف الصالح يلحقون، والله تعالى يصلح لنا، ولكم، ولأخينا وحِبِّنَا وولينا في الله وفيكم:

سيِّدي أحمد بن عبد الله بن القاضي بن أبي محلِّي، ويجعل الجمع الذي جمع بينكم وبينه -بأنجح المصاهرة- جمعاً جامعاً للجميع بكلِّ الخيرات، وكاشفاً للهمِّ والكربات، وجامعاً لأكمل الشمائل بأكمل المواسات، وواصلاً بأَقوم الطريق ووصال المواصلات، على مهيع السُّنة المحمدية الجامعة المانعة في عموم الأزمنة والحالات، بجاه سيِّدنا محمد أشرف المخلوقات، صلَّى الله عليْه وعلى آله صلاةً نجد بركتها في المحيا والممات.

- وكتب لثلاث (03) بقين من صفر 12 بعد الألف: (1012هـ/1603م)، والله أعلم](انظر نص الرسالة في المنجنيق لابن أبي محلي السجلماسي). يقول الأستاذ "سي محمد بلمعمر" في حق سيدي الحاج ابراهيم بن سيدي الشيخ السماحي في كتابه: "البوبكريون الصديقون والبوشيخيون السماحيون جذوراً وأغصانا" (هامش ص: 114): [كان يُمارس مِهنة القضاء؛ لصدقه وتقواه خوفاً من الله تعالى].

- ثمار العلاقة بين الشيخ والتلميذ وأثرها في الأبناء والأحفاد:

إنّ الملاحظة الأوّليّة في هاته العلاقة تكمن في تعدد الروابط التي وضع أسسها الأُصول، وسار على نهجها الفروع، وصدق هذا الأساس جسدتْهُ الاستمرارية في احترام هذه العلاقة من حفدة الرجلَيْنِ جيلاً بعد جيلٍ إلى وقتنا المعيش:
ولنبدأها أولاً بعلاقة النجلَيْنِ: "الشيخ أبي حفص بن عبد القادر السماحي المعروف بـ: سيِّدي الحاج بحوص، وقاضي تيجورارين الشيخ محمد الجوزي (الجد) بن أمحمد عبد الله الجوراري المعروف بـ: خزينة العلم الشريف":

ٱ) – الشيخ أبو حفص يوصي زوَّاره قبل وفاته بزيارة ضريح السيِّدة خديجة بنت القاضي الجوراري، التي كان يُكِنُّ لها حبّاً واحتراماً كبيرَيْنِ؛ لأنَّها مَن ربته في صغره، هذا العلاقة جعل الشيخُ أبو حفص من خلالها سرَّ زيارته مرهون بزيارتها.

ب)- القاضي محمد الجوزي يُسمي أحد أبنائه بعبد القادر، تيمناً بشيخ والده وزوج أخته، ويُسمي الآخر من أبنائه بأبي حفص، تثبيتاً لذكريات له جميلة مع هذا الشيخ الجليل، وأبو حفص بن الجوزي هذا يُسمي ابنه البكر بعبد القادر السماحي؛ تأثراً بزوج عمَّته السيِّدة خديجة بنت القاضي دفينة الأبيض السالفة الذكر.
يقول الأستاذ طواهرية:

[لم يشهد أولاد سيدي الشيخ "سيدي عبد القادر بن محمد السماحي" (أي الزوى) تنافساً كبيراً بينهم في ميادين المسارعة إلى قمم الفضل ومنازل الشرف مثل الذي حصل بين ذريّة الشيخ أبي حفص بن عبد القادر السماحي، وذريّة أخيه الشيخ عبد الحكم حفيد قاضي تيجورارين من جهة الأم؛ إذ أنّه لما توفى سيِّدي الشيخ توَّج بوسام المشيخة وخلافة الزاوية نجله الشيخ أبا حفص المذكور،

ولما توفى الشيخ أبو حفص خلَّف مكانه أخاه الشيخ عبد الحكم، وبقيت المشيخة مُتداولة بين نسليْهِمَا إلى أن وصلت الشيخ سيّدي "بحوص الحاج" دفين مصر، وهو ولد الشيخ عبد الحكم بن عبد القادر السماحي.

ويضيف الأستاذ قائلاً عن هذا الأخير: لقد بلغ الشيخ "سيّدي بحوص الحاج" مقاماً مرموقاً في الولاية والدراية وعلم الظاهر والباطن لم يدانِهِ فيهما أحد من ذريّة سيِّدي الشيخ على الاطلاق، ولعله استقى الولاية من أجداده، وغزارة العلم من أخوال أبيه أولاد القاضي. ولم تزل المنافسة الشريفة بين هؤلاء في الفضل قائمة على أصولها لحد الساعة، وهي المعروفة محلِّياً بين الزوى الشراڤة والغرابة].

وأضيف أنّ الشلالي صاحب التراث الشعبي في الشعر الملحون هو أيضاً رمز من رموز الموروث الثقافي الوطني الجزائري الذي سجله التاريخ في صف الغرابة أولاد سيِّدي الشيخ والسيِّدة لالة خديجة بنت القاضي. ولم تزل العلاقة بين أولاد القاضي وأولاد سيدي الشيخ إلى يوم الناس هذا مبنيّة على المودة والاحترام، وضع أساسها السلف، ومضى الخلف في اعتناقها وتبنيها،

حتى اتسع قطرُها إلى إدراج أبناء عمومتهم المجاذبة السماحيين أولاد الشيخ أحمد المجذوب دفين عسلة المتوفى عام: 978هـ/1580م، الذي كانت تجمعه موّدة بالغة مع عائلة أولاد القاضي بتيجورارين يعود تاريخها إلى قرون طويلة استمرت دون انقطاع في الذُّريَّة والأحفاد، القاطنون حاليّاً بعين الصفراء والشلالة وغيرهما من اقليم الظهراء، كما أنَّ بأولاد سعيد لبعضهم في كلّ سنة زيارة روحية ومادية تجمعهم بهذا البلد العتيق.

وفي إطار هذه العلاقات أيضاً تجدر بنا الإشارة إلى صحبة البطلَيْنِ: المجاهد الشهير الشيخ بوعمامة صاحب المقاومة الشعبية المعروفة بالجزائر، والشهيد القاضي محمد عبد الكريم بن محمد عبد الله بن الجوزي (الحفيد) دفين قصر الشلالة بتيارت. ولقد ساعفنا الحظ في إدراك مَنْ عايش الأحداث ورأى بأمِّ عينه الشيخ بوعمامة عندما قصد أولاد سعيد إثر لجوئه إلى قورارة، حيث تروي السيدة مريم أقبور المتوفية سنة: 1987م والتي عمَّرتْ ما يربو عن 100 سنة زيارته تلك بالتفصيل،

وتحدثتْ عن لقائه بالشهيد القاضي المذكور، وزيارتهما لضريح قاضي قوراة، وصلاتهما في المسجد المعروف بمسجد سيِّدي الشيخ الذي تقدم ذكره، وقراءة الفاتحة والدعاء جماعة بحضرة أهالي أولاد سعيد آنذاك ببلاد القاضي، ومن كثرة تردد الشيخ بو عمامة أثناء إقامته بدلدول على بلاد القاضي والمسجد المذكور يُسمي البعض المسجد حالياً باسم: "مسجد الشيخ بوعمامة" كما أسلفنا ذكره. دون أن ننسى علاقة القاضي الشهيد بأغا ورڤلة سيّدي العلا بن سيّدي بوبكر بن سيّدي النعيم السماحي والتى سيأتي الحديث عنها لاحقاً.

وسيراً على نهج السلف دفعتني السجية أن أقتفي أثرهم بقول أُرجوزة متواضعة في مدح شيخٍ أحبَّني في الله وأحببته فيه، وهو الشيخ محمد الزاوي رحمه الله من حفدة سيّدي الشيخ السماحي، ألقيتها أثناء حفل تخرّج دفعة الأئمة بمعهد عين صالح سنة: 2000م، وذلك بحضرة وفدٍ رفيع المستوى من إطارات ولاية تمنراست بعد مرثية قلتُها من البسيط نظمتُها في حق شيخي ابن الكبير رحمه الله، وبعدها خاطبتُ مدير المعهد "الشيخ محمد الزاوي" واطاراته من الأئمة والأساتذة بما نصُّه:

يـا سائــــــــــــلاً عــــــن معهـــــــدٍ للمُـرْتَـقِــــــــي *** إلــى العُلَـــــى يَسْمُـــــــو سـمــــــو الـــــــوَرِقِ.
في "عيـــــــن صـالــــح" مـحلُّـــــــــهُ اسْـتَـــــــــوَى *** فـأظفــــــــرْ بِــــــــهِ تَنَـــــــالُ غَـايَـــــــــةَ الـرُّقِــــــــــي.
مـا في "الـجـزائـــــــــرِ" لَـــــــــهُ مِـــــــنْ شَبـــــــــهٍ *** فَـاقْـطَــــــعْ بِــــــذَاكَ صَـاحِــــبِــــــــي وحَـقِّــــــــقِ.
يُـديــــــــــرُهُ شـيــــــــــــخٌ زعـيــــــــمٌ يـنـتـمِــــــــي *** إلــــــى أبــــــــي بكـــــــــــرِ الصـديـــــــــــقِ الـمُـتَّـقِــــــــي.

عُـــــــــرِفَ بِـالـحَــــــــزْمِ وغَـايــــــــــــةِ الـكَـــــــــــرَمْ *** نـعــــــــمَ الـحَـفِـيــــــــــــدُ للإمَــــــــــــامِ الأَسْـبَـــــــــــــقِ.
فـيـــــــــهِ أسـاتـــــــــــذةُ عـلْــــــــمٍ وعَـمَـــــــلْ *** حَـــــــــدِّثْ بـفـضْـلِـــــــــهِـــــــمْ مِــــــــــرَاراً وثِــــــــــــــــقِ.
قــــــدْ أدّواْ مـــــــا عـلـيـهِـــــمُ وانـتـشــــــرتْ *** أنــــوارُهُـــــمْ في مَـغْـــــــــرِبٍ ومـشْـــــــــــــرِقِ.

نـاهـيـــــــــكَ عـــــن طـلـبــــــــةٍ تـمـيّــــــــزواْ *** بـالـفِـقْــــــــهِ والنحـــــــوِ وحســــــــــنِ الخُـلُـــــــــــقِ.
وأســــــألُ الله الـعـلــــــيَّ ذا الـكَــــــــرَمْ *** يـحـفـظـهُــــــمْ مِـــــــنْ كُـــــلِّ خِـــــبٍّ أحمــــقِ.
وهـــذِهِ أُرجـوزَتِــــي مُـخْـتَـصَــــــــــرَةْ *** فـاحـفـظْـهَـــــــا صَاحِــــــي لاَ تكـــــــنْ ذَا قَــــــلَـــــــــقِ......

تحقيق مقدم الطريقة الشيخية الشاذلية حاكمي مصطفى

القاضي سيدي محمد عبد الله الجراري

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004